-->

هجمات المليشيا على المدنيين: استراتيجية للضغط أم جرائم حرب مكشوفة؟


شهد يوم الخميس 18 ديسمبر تصعيدًا عنيفًا من المليشيا، حيث استهدفت طائرات مسيرة محطة كهرباء "المقرن" في عطبرة، مما أسفر عن مقتل اثنين من الدفاع المدني، وتدمير جزئي لمحطات التحويل، وانقطاع التيار الكهربائي في ولايات نهر النيل والبحر الأحمر وأجزاء من الخرطوم. في الوقت نفسه، استمر قصف مدفعي مشترك مع حركة الحلو على مدينة الدلنج بجنوب كردفان لليوم الثاني، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى مدنيين، وإصابة منشأة صحية تابعة للتأمين الصحي دون خسائر بشرية. أفادت شبكة أطباء السودان بحصيلة 16 مدنيًا قتيلًا خلال اليومين.

وتأتي هذه الهجمات ضمن سلسلة ممنهجة: يوم الأربعاء، قصفت طائرة مسيرة نازحين في قرية "الكوركل" جنوب كردفان أثناء فرارهم من كادوقلي، مما أودى بحياة 8 أشخاص، معظمهم نساء. أما السبت الماضي، فاستهدفت طائرة مسيرة مقر بعثة الأمم المتحدة في كادوقلي، مما أسفر عن مقتل 6 من قوات حفظ السلام وإصابة 8 آخرين. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى مقتل أكثر من 100 مدني، بما في ذلك 43 طفلًا، منذ 4 ديسمبر في كردفان بسبب الطائرات المسيرة، مع تصنيف هذه الانتهاكات كجرائم حرب من قبل منظمات مثل هيومان رايتس ووتش.

الآثار الإنسانية الكارثية


وتؤكد تقارير الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة أن هذه الهجمات على المدنيين والمنشآت الحيوية – مثل المستشفيات ورياض الأطفال – تُدْفِعُ ملايين السودانيين إلى النزوح المستمر، محولةً الأزمة إلى كارثة إنسانية. كشفت المنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من 1000 شخص نزحوا من كادوقلي في ديسمبر، و50 ألفًا من كردفان منذ أكتوبر، مع عبور آلاف الحدود إلى جنوب السودان بحثًا عن الأمان، مما يثقل كاهل الجهود الإغاثية.

دوافع المليشيا: ضغط نفسي وتفاوضي


ويرى محللون أن استهداف الدعم السريع للمدنيين والمرافق يهدف إلى إضعاف سيطرة الجيش، وإثارة ضغط نفسي على السكان والحكومة، لتعزيز موقف المليشيا في المفاوضات. يُقَدَّرُ أن هذا التصعيد يسعى لكسر الإرادة الشعبية، مما يُجْبِرُ الناس على قبول وقف إطلاق نار بأي ثمن، ويُقَوِّضُ الدعم الشعبي للجيش. كما يُثِيرُ جهود إعادة الحياة الطبيعية في الخرطوم وعودة النازحين غضب المليشيا، التي ترى في ذلك تهديدًا لموقعها.

تجاهل العقوبات ودور خارجي


ورغم العقوبات الغربية على قيادات الدعم السريع – مثل تجميد الأصول وحظر السفر – تواصل المليشيا عملياتها، مستفيدةً من ضعف الرقابة في مناطق النزاع وتعويض الخسائر بسرعة. يُلْفِتُ الخبراء إلى دور الإمارات في تشجيع هذه الانتهاكات، عبر التمويل والتسليح وتجنيد المرتزقة، مما يُعْطِي المليشيا القدرة على تجاهل الضغوط الدولية. ويُؤْكِدُون أن أي عقوبات فعالة يجب أن تشمل الإمارات لوقف التدفق المالي والعسكري.

الموقف السوداني: حسم عسكري قبل التفاوض


ويتوافق الرأي الشعبي مع الموقف الرسمي والعسكري في رفض أي حل تفاوضي يُكْرِسُ وجود المليشيا سياسيًا، معتبرًا أن إيقاف الحرب يتطلب حسم التمرد عسكريًا. هذه الرؤية الوطنية تتعارض مع مبادرات الرباعية الدولية، التي تراها الإمارات وسيلة لفرض حلول تُحْفَظُ فيها المليشيا. يُحَذِّرُ المحللون من أن استمرار الانتهاكات يهدف إلى إنهاء الإرادة الشعبية، لكن الرد السوداني يظل ملتزمًا بالحسم قبل أي تسوية.