-->

زيارة ليفي إلى السودان: حين تلتقي سرديات التدخل الغربي بمصلحة الدولة الوطنية


الخرطوم – تقارير خاصة
في خطوة غير معتادة وذات دلالات سياسية وثقافية عميقة، زار الفيلسوف والناشط السياسي الفرنسي المعروف برنار هنري ليفي السودان، وتنقّل خلال رحلته بين بورتسودان والخرطوم وصولًا إلى الأبيض، في جولة وصفها مراقبون بأنها أحد أبرز تحركات النخب الفكرية الغربية تجاه السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.

لكن ما يجعل الزيارة لافتة لا يكمن فقط في هوية الزائر، بل في المضامين السياسية والأخلاقية التي حملتها تصريحاته، خاصة مقابلته الأخيرة مع قناة BFM-TV الفرنسية، والتي وصف فيها ما يجري في السودان بأنه "حرب بين حكومة شرعية ومليشيات إرهابية بالتعريف الكلاسيكي، كما هو الحال مع داعش".

رسائل مباشرة إلى الإمارات

لقاء ليفي مع رئيس مجلس السيادة، الذي وصفه بـ"الرئيس البرهان"، لم يكن بروتوكوليًا فحسب، إذ كشف عن رسالة مباشرة حمّله إياها البرهان إلى أبوظبي تطالب بوقف دعمها العسكري والمالي لمليشيا الدعم السريع.
هذه الرسالة، إلى جانب التصريحات العلنية التي أدلى بها ليفي، تضيف وزنًا دبلوماسيًا غير تقليدي إلى الجهود السودانية في كشف الأطراف الخارجية الداعمة للحرب.

بين التدخل الإنساني والسيادة الوطنية

لطالما ارتبط اسم برنار ليفي بـ"التدخلات الإنسانية" في مناطق النزاع، وكان من أبرز من دعوا لتدخل الناتو في ليبيا عام 2011، مستندًا إلى مبدأ "مسؤولية الحماية" لحماية المدنيين من الأنظمة المستبدة.
لكن المفارقة هذه المرة أن سرديته التدخلية تلتقي – ولو مؤقتًا – مع مصالح وطنية حقيقية للسودان، وتتبنى توصيفًا دقيقًا وواقعيًا لمجريات الأحداث، بوصف المليشيا كتنظيم إرهابي مدعوم من الخارج، يهدد كيان الدولة السودانية.

تحول لافت في سرديات الغرب؟

تصريحات ليفي تتقاطع مع مقال تحليلي سابق نشرته صحيفة جيروزاليم بوست، حمل أيضًا لهجة نقدية واضحة للدور الإماراتي في السودان، وعبّر عن قلق متزايد من الفشل في تحقيق الأهداف عبر دعم مليشيا الجنجويد، وما قد يترتب على ذلك من فوضى إقليمية يصعب احتواؤها.

هذا التقاطع يشير إلى احتمال حدوث مراجعات داخل بعض الدوائر الغربية النافذة، التي بدأت تدرك أن إضعاف الدولة السودانية لا يخدم استقرار المنطقة، بل يُفاقم تهديدات الهجرة والفوضى والتطرف العابر للحدود.

فرصة سياسية لا تُعوّض

بعيدًا عن الموقف المبدئي من شخص ليفي وسيرته الفكرية المثيرة للجدل، فإن توظيف هذه الزيارة ضمن المعركة الدبلوماسية والإعلامية لمواجهة الدعم الخارجي للمليشيا يُعد فرصة نادرة للسودان الرسمي والشعبي.
فخطاب ليفي – بما له من تأثير في دوائر أوروبية وصهيونية فاعلة – قد يُحدث شرخًا في الإجماع الدعائي الذي حاول تصوير الحرب على أنها نزاع داخلي على السلطة، ويُعيد تسليط الضوء على حق السودان في الدفاع عن سيادته ووحدة أراضيه.

ختامًا

قد لا تكون زيارة برنار هنري ليفي للسودان هي التي ستُغير موازين الحرب، لكنها تُشكل بلا شك علامة مهمة على تآكل بعض السرديات الداعمة للمليشيا، وافتتاح نافذة جديدة يمكن من خلالها إعادة تعريف ما يحدث في السودان:
ليس نزاعًا داخليًا، بل حربًا إرهابية ضد دولة تحاول البقاء.